الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: البرهان في علوم القرآن (نسخة منقحة)
.الْقَاعِدَةُ الثَّالِثَةُ: فَالْأَوَّلُ: أَنْ يَكُونَ بِاعْتِبَارِ عَمَلٍ مَوْجُودٍ فِي الْمَعْطُوفِ عَلَيْهِ فَهُوَ الْعَطْفُ عَلَى اللَّفْظِ نَحْوُ لَيْسَ زَيْدٌ بِقَائِمٍ وَلَا ذَاهِبٍ وَهُوَ الْأَصْلُ. وَالثَّانِي: أَنْ يَكُونَ بِاعْتِبَارِ عَمَلٍ لَمْ يُوجَدْ في المعطوف إلا أنه مقدر الْوُجُودِ لِوُجُودِ طَالِبِهِ فَهُوَ الْعَطْفُ عَلَى الْمَوْضِعِ نَحْوُ لَيْسَ زَيْدٌ بِقَائِمٍ وَلَا ذَاهِبًا بِنَصْبِ ذَاهِبًا عَطْفًا عَلَى مَوْضِعِ قَائِمٍ لِأَنَّهُ خَبَرُ لَيْسَ. وَمِنْ أَمْثِلَتِهِ قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَأُتْبِعُوا فِي هذه الدنيا لعنة ويوم القيامة} بِأَنْ يَكُونَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مَعْطُوفًا عَلَى مَحَلِّ هذه ذكره الفارسي. وقوله: {ومن يُضْلِلِ اللَّهُ فَلَا هَادِيَ لَهُ وَيَذَرُهُمْ فِي طغيانهم يعمهون} فِي قِرَاءَةِ الْجَزْمِ إِنَّهُ بِالْعَطْفِ عَلَى مَحَلِّ {فَلَا هَادِيَ لَهُ}. وَجَعَلَ الزَّمَخْشَرِيُّ وَأَبُو الْبَقَاءِ مِنْهُ قَوْلَهُ تَعَالَى: {لِيُنْذِرَ الَّذِينَ ظَلَمُوا وَبُشْرَى} إِنَّ بُشْرَى فِي مَحَلِّ نَصْبٍ بِالْعَطْفِ عَلَى مَحَلِّ لِيُنْذِرَ لِأَنَّهُ مَفْعُولٌ لَهُ. وَغَلَطَا فِي ذَلِكَ لِأَنَّ شَرْطَهُ فِي ذَلِكَ أَنْ يَكُونَ الْمَوْضِعُ بِحَقِّ الْأَصَالَةِ وَالْمَحَلُّ لَيْسَ هُنَا كَذَلِكَ لِأَنَّ الْأَصْلَ هُوَ الْجَرُّ فِي الْمَفْعُولِ لَهُ وَإِنَّمَا النَّصْبُ نَاشِئٌ عَنْ إِسْقَاطِ الْخَافِضِ وَجَوَّزَ الزَّمَخْشَرِيُّ أَيْضًا فِي قَوْلِهِ تَعَالَى {وَجَعَلَ اللَّيْلَ سكنا والشمس} كَوْنَ الشَّمْسِ مَعْطُوفًا عَلَى مَحَلِّ اللَّيْلِ. وَالثَّالِثُ: أَنْ يَكُونَ بِاعْتِبَارِ عَمَلٍ لَمْ يُوجَدْ هُوَ وَلَا طَالِبُهُ هُوَ الْعَطْفُ عَلَى التَّوَهُّمِ نَحْوُ لَيْسَ زَيْدٌ قَائِمًا وَلَا ذَاهِبٍ بِجَرِّ ذَاهِبٍ وَهُوَ مَعْطُوفٌ عَلَى خَبَرِ لَيْسَ الْمَنْصُوبِ بِاعْتِبَارِ جره بالباء ولو دَخَلَتْ عَلَيْهِ فَالْجَرُّ عَلَى مَفْقُودٍ وَعَامِلِهِ وَهُوَ الْبَاءُ مَفْقُودٌ أَيْضًا إِلَّا أَنَّهُ مُتَوَهَّمُ الْوُجُودِ لِكَثْرَةِ دُخُولِهِ فِي خَبَرِ لَيْسَ فَلَمَّا تُوُهِّمَ وجوده صح اعتبار مثله وهذا قليل من كَلَامِهِمْ. وَقِيلَ: إِنَّهُ لَمْ يَجِئْ إِلَّا فِي الشِّعْرِ وَلَكِنْ جَوَّزَهُ الْخَلِيلُ وَسِيبَوَيْهِ فِي الْقُرْآنِ وعليه خَرَّجَا قَوْلَهُ تَعَالَى: {فَأَصَّدَّقَ وَأَكُنْ مِنَ الصَّالِحِينَ} كَأَنَّهُ قِيلَ أَصْدُقَ وَأَكُنْ. وَقِيلَ: هُوَ مِنَ الْعَطْفِ عَلَى الْمَوْضِعِ أَيْ مَحَلِّ (أَصَّدَّقَ). وَالتَّحْقِيقُ قَوْلُ سِيبَوَيْهِ: هُوَ عَلَى تَوَهُّمِ أَنَّ الْفَاءَ لَمْ يُنْطَقْ بِهَا. وَاعْلَمْ أَنَّ بَعْضَهُمْ قَدْ شَنَّعَ الْقَوْلَ بِهَذَا فِي الْقُرْآنِ عَلَى النَّحْوِيِّينَ وَقَالَ كَيْفَ يَجُوزُ التَّوَهُّمُ فِي الْقُرْآنِ. وَهَذَا جَهْلٌ مِنْهُ بِمُرَادِهِمْ فَإِنَّهُ لَيْسَ الْمُرَادُ بِالتَّوَهُّمِ الْغَلَطَ بَلْ تَنْزِيلَ الْمَوْجُودِ مِنْهُ مَنْزِلَةَ الْمَعْدُومِ كَالْفَاءِ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: {فَأَصَّدَّقَ} لِيُبْنَى عَلَى ذَلِكَ مَا يُقْصَدُ مِنَ الْإِعْرَابِ وَجَعَلَ مِنْهُ الزَّمَخْشَرِيُّ قَوْلَهُ تَعَالَى: {وَمِنْ وَرَاءِ إِسْحَاقَ يَعْقُوبَ} فيمن فَتَحَ الْبَاءَ كَأَنَّهُ قِيلَ وَوَهَبْنَا لَهُ إِسْحَاقَ ومن وراء إسحاق يعقوب على طريقة: وقد يجيء اسم آخَرُ وَهُوَ الْعَطْفُ عَلَى الْمَعْنَى كَقَوْلِهِ تَعَالَى {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِي حَاجَّ إِبْرَاهِيمَ فِي ربه} ثم قال {أو كالذي} عَطْفُ الْمَجْرُورِ بِالْكَافِ عَلَى الْمَجْرُورِ بِـ: (إِلَى) حَمْلًا عَلَى الْمَعْنَى لِأَنَّ قَوْلَهُ إِلَى الَّذِي فِي مَعْنَى أَرَأَيْتَ كَالَّذِي. وَقَالَ بَعْضُهُمْ فِي قوله تعالى {وحفظا من كل شيطان} أَنَّهُ عَطْفٌ عَلَى مَعْنَى {إنا زينا السماء الدنيا} وَهُوَ إِنَّا خَلَقْنَا الْكَوَاكِبَ فِي السَّمَاءِ الدُّنْيَا زِينَةً لِلسَّمَاءِ الدُّنْيَا. وَفِي قَوْلِهِ تَعَالَى: {لَعَلِّي أَبْلُغُ الْأَسْبَابَ أَسْبَابَ السَّمَاوَاتِ فَأَطَّلِعَ} عَلَى قِرَاءَةِ النَّصْبِ: إِنَّهُ عَطْفُ مَعْنَى {لَعَلِّي أَبْلُغُ} وَهُوَ لَعَلِّي أَنْ أَبْلُغَ فَإِنَّ خَبَرَ لَعَلَّ يَقْتَرِنُ بِـ: (أَنْ) كَثِيرًا. .الْقَاعِدَةُ الرَّابِعَةُ: .الْقَاعِدَةُ الْخَامِسَةُ: وَقَوْلُهُ تَعَالَى: {قَالَ فِرْعَوْنُ وَمَا رَبُّ العالمين قال رب السماوات والأرض} وَنَظَائِرُهَا. وَإِنَّمَا حَسُنَ ذَلِكَ لِلِاسْتِغْنَاءِ عَنْ حَرْفِ الْعَطْفِ مِنْ حَيْثُ إِنَّ الْمُتَقَدِّمَ مِنَ الْقَوْلَيْنِ يَسْتَدْعِي التَّأَخُّرَ مِنْهُمَا فَلِهَذَا كَانَ الْكَلَامُ مَبْنِيًّا عَلَى الِانْفِصَالِ وَكَانَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْ هَذِهِ الْأَقْوَالِ مُسْتَأْنَفًا ظَاهِرًا وَإِنْ كَانَ الذِّهْنُ يُلَائِمُ بَيْنَهُمَا. .الْقَاعِدَةُ السَّادِسَةُ: {فاذهب أنت وربك فقاتلا}. {اسكن أنت وزوجك الجنة} عِنْدَ الْجُمْهُورِ خِلَافًا لِابْنِ مَالِكٍ فِي جَعْلِهِ مِنْ عَطْفِ الْجُمَلِ بِتَقْدِيرِ وَلْتَسْكُنْ زَوْجُكَ. وَقَوْلِهِ: {وَعُلِّمْتُمْ مَا لَمْ تَعْلَمُوا أَنْتُمْ وَلَا آبَاؤُكُمْ}. {يدخلونها ومن صلح}. {فقل أسلمت وجهي لله ومن اتبعن}. وجعل الزمخشري منه {إنا لمبعوثون أو آباؤنا} فِيمَنْ قَرَأَ بِفَتْحِ الْوَاوِ وَجَعَلَ الْفَصْلَ بِالْهَمْزَةِ. وَرُدَّ بِأَنَّ الِاسْتِفْهَامَ لَا يَدْخُلُ عَلَى الْمُفْرَدَاتِ. وَجَعَلَ الْفَارِسِيُّ مِنْهُ {مَا أَشْرَكْنَا وَلَا آبَاؤُنَا} وَأَعْرَبَ ابْنُ الدَّهَّانِ {وَلَا آبَاؤُنَا} مُبْتَدَأٌ خَبَرُهُ {أشركوا} مقدرا. وَأَجَازَ الْكُوفِيُّونَ الْعَطْفَ مِنْ غَيْرِ فَاصِلٍ كَقَوْلِهِ تعالى {والذين هادوا والصابئون}. فَأَمَّا قَوْلُهُ تَعَالَى: {فَاسْتَوَى وَهُوَ بِالْأُفُقِ الْأَعْلَى} فَقَالَ الْفَارِسِيُّ {وَهُوَ} مُبْتَدَأٌ وَلَيْسَ مَعْطُوفًا عَلَى ضَمِيرٍ {فَاسْتَوَى} وَإِنْ كَانَ مَجْرُورًا فَلَا يَجُوزُ مِنْ غَيْرِ تَكْرَارِ الْجَارِّ فِيهِ نَحْوُ مَرَرْتُ بِهِ وَبِزَيْدٍ كَقَوْلِهِ تَعَالَى {وَعَلَيْهَا وَعَلَى الْفُلْكِ تحملون} {فقال لها وللأرض} {جعلنا بينك وبين الذين لا يؤمنون}. وَأَمَّا قَوْلُهُ: {وَإِذْ أَخَذْنَا مِنَ النَّبِيِّينَ مِيثَاقَهُمْ ومنك ومن نوح} فَإِنْ جَعَلْنَا {وَمِنْ نُوحٍ} مَعْطُوفًا عَلَى {مِنْكَ} فَالْإِعَادَةُ لَازِمَةٌ وَإِنْ جُعِلَ مَعْطُوفًا عَلَى {النَّبِيِّينَ} فَجَائِزَةٌ. وَقَالَ الْكُوفِيُّونَ: لَا تَلْزَمُ الْإِعَادَةُ مُحْتَجِّينَ بِآيَاتٍ: الْأُولَى: قِرَاءَةُ حَمْزَةَ {وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تساءلون به والأرحام} بِالْجَرِّ عَطْفًا عَلَى الضَّمِيرِ فِي {بِهِ}. فَإِنْ قِيلَ: لَيْسَ الْخَفْضُ عَلَى الْعَطْفِ وَإِنَّمَا هُوَ عَلَى الْقَسَمِ وَجَوَابِهِ {إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رقيبا}. قُلْنَا: رَدَّهُ الزَّجَّاجُ بِالنَّهْيِ عَنِ الْحَلِفِ بِغَيْرِ اللَّهِ وَهُوَ عَجِيبٌ فَإِنَّ ذَلِكَ عَلَى الْمَخْلُوقِينَ. الثانية: قوله تعالى: {فيها معايش ومن لستم له برازقين} {ومن لستم} أو لها الْمَانِعُونَ كَابْنِ الدَّهَّانِ بِتَقْدِيرِ وَيَرْزُقُ مَنْ لَسْتُمْ وَالزَّجَّاجُ بِتَقْدِيرِ أَعْنِي مَنْ لَسْتُمْ قَالَ أَبُو البقاء لأن المعنى أغناكم وأغنى مَنْ لَسْتُمْ وَقَدَّمَ أَنَّهَا نَصْبٌ بِـ: {جَعَلْنَا} قَالَ وَالْمُرَادُ بِـ: (مَنْ) الْعَبِيدُ وَالْإِمَاءُ وَالْبَهَائِمُ فَإِنَّهَا مَخْلُوقَةٌ لِمَنَافِعِهَا. الثَّالِثَةُ: قَوْلُهُ تعالى {وكفر به والمسجد الحرام} وَلَيْسَ مِنْ هَذَا الْبَابِ لِأَنَّ {الْمَسْجِدَ} مَعْطُوفٌ عَلَى {سَبِيلِ اللَّهِ} فِي قوله: {وَصَدٌّ عَنْ سبيل الله} ويدل لذلك أنه صَرَّحَ بِنِسْبَةِ الصَّدِّ إِلَى الْمَسْجِدِ فِي قوله: {أن صدوكم عن المسجد الحرام}. وَهَذَا الْوَجْهُ حَسَنٌ لَوْلَا مَا يَلْزَمُ مِنْهُ الفصل بين {صد} و: {المسجد} بقوله: {وكفر} وَهُوَ أَجْنَبِيٌّ. وَلَا يَحْسُنُ أَنْ يُقَالَ: إِنَّهُ معطوف على {الشهر} لِأَنَّهُمْ لَمْ يَسْأَلُوا عَنْهُ وَلَا عَلَى {سَبِيلِ} لِأَنَّهُ إِذْ ذَاكَ مِنْ تَتِمَّةِ الْمَصْدَرِ وَلَا يُعْطَفُ عَلَى الْمَصْدَرِ قَبْلَ تَمَامِهِ. الرَّابِعَةُ: قَوْلُهُ تعالى: {يا أيها النبي حسبك الله ومن اتبعك} قَالُوا الْوَاوُ عَاطِفَةٌ لِـ: (مَنْ) عَلَى الْكَافِ الْمَجْرُورَةِ وَالتَّقْدِيرُ حَسْبُكَ مَنِ اتَّبَعَكَ. وَرُدَّ بِأَنَّ الواو للمصاحبة ومن في محل نصب عطف عَلَى الْمَوْضِعِ كَقَوْلِهِ: الْخَامِسَةُ: قَوْلُهُ تَعَالَى: {كَذِكْرِكُمْ آبَاءَكُمْ أَوْ أَشَدَّ ذكرا} كَمَا تَقُولُ كَذِكْرِ قُرَيْشٍ آبَاءَهُمْ أَوْ قَوْمٌ أَشَدُّ مِنْهُمْ ذِكْرًا. لَكِنَّ هَذَا عُطِفٌ عَلَى الضمير المخفوض وذلك لا يجوز عَلَى قِرَاءَةِ حَمْزَةَ. وَقَدْ خَالَفَهُ الْجُمْهُورُ وَجَعَلُوهُ مَجْرُورًا عَطْفًا عَلَى {ذِكْرِكُمْ} الْمَجْرُورِ بِكَافِ التَّشْبِيهِ تَقْدِيرُهُ أَوْ كَذِكْرِكُمْ أَشَدَّ فَجَعَلَ لِلذِّكْرِ ذِكْرًا مَجَازًا وَهُوَ قَوْلُ الزَّجَّاجِ وَتَابَعَهُ ابْنُ عَطِيَّةَ وَأَبُو الْبَقَاءِ وَغَيْرُهُمَا. وَمِمَّا اخْتُلِفَ فِيهِ الْعَطْفُ عَلَى عَامِلَيْنِ نَحْوُ لَيْسَ زَيْدٌ بِقَائِمٍ وَلَا قَاعِدٍ عَمْرٌو عَلَى أَنْ يَكُونَ وَلَا قَاعِدٍ مَعْطُوفًا عَلَى قَائِمٍ وَعَمْرٌو عَلَى زَيْدٍ مَنَعَهُ الْجُمْهُورُ وَأَجَازَهُ الْأَخْفَشُ محتجا بقوله تعالى {واختلاف الليل والنهار} ثُمَّ قَالَ {آيَاتٍ} بِالنَّصْبِ عَطْفًا عَلَى قوله: {لَآيَاتٍ} الْمَنْصُوبِ بِـ: (إِنَّ) فِي أَوَّلِ الْكَلَامِ وَ: {اخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ} مَجْرُورٌ بِالْعَطْفِ عَلَى {السماوات} 4 الْمَجْرُورِ بِحَرْفِ الْجَرِّ الَّذِي هُوَ فِي فَقَدْ وُجِدَ الْعَطْفُ عَلَى عَامِلَيْنِ وَأُجِيبُ بِجَعْلِ {آيَاتٍ} تأكيد لِـ: (آيَاتٍ) الْأُولَى. .قَوَاعِدُ فِي الْعَدَدِ: .الْقَاعِدَةُ الْأُولَى: وَلِهَذَا قَالَ تَعَالَى {لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ ثَالِثُ ثلاثة}. الثَّانِي: أَنْ يَكُونَ بِمَعْنَى التَّصْيِيرِ وَهَذَا يُضَافُ إِلَى الْعَدَدِ الْمُخَالِفِ لَهُ فِي اللَّفْظِ بِشَرْطِ أَنْ يَكُونَ أَنْقَصَ مِنْهُ بِوَاحِدٍ كَقَوْلِكَ ثَالِثُ اثْنَيْنِ وَرَابِعُ ثَلَاثَةٍ وَخَامِسُ أَرْبَعَةٍ كَقَوْلِهِ تَعَالَى {مَا يَكُونُ مِنْ نَجْوَى ثَلَاثَةٍ إِلَّا هُوَ رابعهم ولا خمسة إلا هو سادسهم} أَيْ يُصَيِّرُهُمْ بِعِلْمِهِ وَإِحَاطَتِهِ أَرْبَعَةً وَخَمْسَةً. فَإِنْ قِيلَ: كَيْفَ بَدَأَ بِالثَّلَاثِ وَهَلَّا جَاءَ مَا يَكُونُ مِنْ نَجْوَى وَاحِدٍ إِلَّا هُوَ ثَانِيهِ وَلَا اثْنَيْنِ إِلَّا هُوَ ثَالِثُهُمْ قِيلَ لِأَنَّهُ سُبْحَانَهُ لَمَّا عَلِمَ أَنَّ بَعْضَ عِبَادِهِ كَفَرَ بِهَذَا اللَّفْظِ وَادَّعَى أَنَّهُ ثَالِثُ ثَلَاثَةٍ فَلَوْ قَالَ مَا يَكُونُ مِنْ نَجْوَى وَاحِدٍ إِلَّا هُوَ ثَانِيهِ لَثَارَتْ ضَلَالَةٌ مِنْ كُفْرٍ بِاللَّهِ وَجَعْلِهِ ثَانِيًا وَقَالَ وَهَذَا قَوْلُ اللَّهِ هَكَذَا وَلَوْ قَالَ وَلَا اثْنَيْنِ إِلَّا هُوَ ثَالِثُهُمْ لَتَمَسَّكَ بِهِ الْكُفَّارُ فَعَدَلَ سُبْحَانَهُ عَنْ هَذَا لِأَجْلِ ذَلِكَ ثُمَّ قَالَ {وَلَا أَدْنَى مِنْ ذلك ولا أكثر} فَذَكَرَ هَذَيْنِ الْمَعْنَيَيْنِ بِالتَّلْوِيحِ لَا بِالتَّصْرِيحِ فَدَخَلَ تَحْتَهُ مَالَا يَتَنَاهَى وَهَذَا مِنْ بَعْضِ إِعْجَازِ الْقُرْآنِ. .الْقَاعِدَةُ الثَّانِيَةُ: ويجوز إضافته نحو {تسعة رهط}. وَإِنْ كَانَ غَيْرُهُمَا مِنَ الْجُمُوعِ أُضِيفَ إِلَيْهِ الْجَمْعُ عَلَى مِثَالِ جَمْعِ الْقِلَّةِ مِنَ التَّكْسِيرِ وَعِلَّتُهُ أَنَّ الْمُضَافَ مَوْضُوعٌ لِلْقِلَّةِ فَتَلْزَمُ إِضَافَتُهُ إِلَى جَمْعِ قِلَّةٍ طَلَبًا لِمُنَاسَبَةِ الْمُضَافِ إِلَيْهِ الْمُضَافَ فِي الْقِلَّةِ لِأَنَّ الْمُفَسِّرَ عَلَى حَسَبِ الْمُفَسَّرِ فَتَقُولُ ثَلَاثَةُ أَفْلُسٍ وَأَرْبَعَةُ أَعْبُدٍ قَالَ تعالى {من بعده سبعة أبحر}. وَقَدِ اسْتَشْكَلَ عَلَى هَذِهِ الْقَاعِدَةِ قَوْلُهُ تَعَالَى: {يتربصن بأنفسهن ثلاثة قروء} فَإِنَّ قُرُوءَ جَمْعُ كَثْرَةٍ وَقَدْ أُضِيفَ إِلَى الثَّلَاثَةِ وَلَوْ جَاءَ عَلَى الْقَاعِدَةِ لَقَالَ أَقْرَاءٌ. وَالْجَوَابُ: مِنْ أَوْجُهٍ: أَحَدُهَا: أَنَّهُ أُوثِرَ جَمْعُ الْكَثْرَةِ هُنَا لِأَنَّ بِنَاءَ الْقِلَّةِ شَاذٌّ فَإِنَّهُ جَمْعُ قَرْءٍ بِفَتْحِ الْقَافِ وَجَمْعُ فَعْلٍ عَلَى أفعال شاذ فَجَمَعُوهُ عَلَى فُعُولٍ إِيثَارًا لِلْفَصِيحِ فَأَشْبَهَ مَا لَيْسَ لَهُ إِلَّا جَمْعَ كَثْرَةٍ فَإِنَّهُ يُضَافُ إِلَيْهِ كَثَلَاثَةِ دَرَاهِمَ ذَكَرَهُ ابْنُ مَالِكٍ. وَالثَّانِي: أن القلة بالنسبة إلى كل واحد مِنَ الْمُطْلَقَاتِ وَإِنَّمَا أَضَافَ جَمْعَ الْكَثْرَةِ نَظَرًا إِلَى كَثْرَةِ الْمُتَرَبِّصَاتِ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدَةٍ تَتَرَبَّصُ ثَلَاثَةً حَكَاهُ فِي الْبَسِيطِ عَنْ أَهْلِ الْمَعَانِي. الثَّالِثُ: أَنَّهُ عَلَى حَذْفِ مُضَافٍ أَيْ ثَلَاثَةُ أَقْرَاءٍ قُرُوءٌ. الرَّابِعُ: أَنَّ الْإِضَافَةَ نَعْتٌ فِي تَقْدِيرِ الِانْفِصَالِ لِأَنَّهُ بِمَعْنَى مِنْ الَّتِي لِلتَّبْعِيضِ أَيْ ثَلَاثَةُ أَقْرَاءٍ مِنْ قُرُوءٍ. كَمَا أَجَازَ الْمُبَرِّدُ ثَلَاثَةَ حَمِيرٍ وَثَلَاثَةَ كِلَابٍ عَلَى إِرَادَةِ (مِنْ) أَيْ مِنْ حَمِيرٍ وَمِنْ كِلَابٍ.
|